السبت، 19 أكتوبر 2019

هل استجابة الفرد لمصالحه يعد انحرافا عن الأخلاق

هل استجابة الفرد لمصالحه يعد انحرافا عن الأخلاق
- هل القيمة الخلقية للفعل تتوقف على نتائج الفعل فقط ؟
- هل استجابة الفرد لمصالحه يعد انحرافا عن الأخلاق ؟
المقدمة :
يقوم الإنسان بسلوكات منها الآلي ومها الإرادي هذه الأخيرة يخضع البعض منها إلى الأحكام التقديرية فقد تكون مستحسنة كما قد تكون مستهجنة وبمعنى أوسع منها ماهو خير ومنها ماهو شر .
ولقد كانت القيمة الخلقية محل اهتمام الفلاسفة إذ درسوها من جوانب مختلفة كتحديد طبيعتها و تحديد الأساس والمبدأ الذي يكون بموجبه الفعل خيرا أو يكون شرا .
  والإشكال المطروح يتمثل في : هل القيمة الخلقية للفعل تتوقف على نتائجه أو أن قيمته تكمن في الفعل في حد ذاته ؟

التوسيع :
الرأي الأول :( الموقف القائل:إن القيمة الخلقية للفعل تتوقف على نتائجه )
ذهب بعض المفكرين من مذهب اللذة و المنفعة إلى أن اللذة و المنفعة هي الخير الأقصى وانه من الواجب تحصيلها ,بينما الألم هو الضرر الذي يجب تحاشيه أي أن أخلاقية الفعل تتوقف على نتائجه وآثاره. وان اللذة أو المنفعة هي مقياس خيرية الأفعال .
ومن دعاة هذا المذهب في العصر اليوناني الفيلسوف ( ارستيب ) الذي نفى أن تكون للفضيلة قيمة في ذاتها , وارجع كل قيمة خلقية إلى اللذة واستند في تبرير ذلك إلى أن الواقع يشهد بان الناس جميعا ينشدون اللذة وينفرون من الألم , فاللذة كما يرى هي صوت الطبيعة فلا خجل ولا حياء. ولما كان التفكير في المستقبل والعواقب مبعث الشقاء ومصدر الهموم فما على  الإنسان إلا اقتناص اللذة الحاضرة وان يعيش اللحظة فقط     ( لذة اللحظة ) .وأكد الفيلسوف ( ابيقور ) ما ذهب إليه( ارستيب) إلا انه عدل من مدلول اللذة وجعله أرحب وأنبل فاللذة تكون خيرا في ذاتها  إذا ترتب عنها لذة أعظم والألم قد يكون مرغوبا فيه إذا ترتبت عنه لذة اكبر  و الاعتدال في تحقيق اللذات يؤدي إلى التوازن الجسمي والنفسي ويكون ذلك بالاكتفاء بالقليل من اللذات  الطبيعية الضرورية ليخلو الجسم من الألم , أما النفس فيتحقق لها هدوؤها بالإقلاع عن طلب بعض اللذات غير الطبيعية والتي تعكر صفو الحياة كلذة المال ,كما يجب تخليص النفس من المخاوف الناشئة عن خشية  الآلهة و الموت .
وفي العصر الحديث أخذت أخلاق اللذة اسما آخر هو  (أخلاق المنفعة) ويعد (بنتام ) من رواده حيث نظر للأخلاق نظرة تجريبية ,واعتبر الطبيعة البشرية مصدرا للسلوك فالإنسان تحركه دوافعه وميوله نحو تحقيق منفعته الخاصة . وخير وسيلة  تعين الفرد على الوصول إلى اكبر قدر من المنفعة هي أن يتوخى الفرد في كل عمل يأتيه تحقيق اكبر مقدار من اللذة لأكبر  عدد من الناس . ويكون ذلك عن بالاعتماد على سلم حساب اللذات , فالخير محسوس ومقيس , وعامل امتداد اللذة وعدد الأفراد الذين يشتركون في الإحساس باللذة في وقت واحد معيار خيرية الفعل .
واتفق ( جون ستيوارت مل ) مع بنتام في أن أخلاقية الفعل تتوقف على نتائجه دون بواعثه لكنه قدم المنفعة العامة على المنفعة الخاصة ولم يقتصر على  كم اللذة بل نادى بضرورة مراعاة كيفها :" فلو خير الفرد لاختار أن يكون إنسانا شقيا على أن يكون  خنزيرا متلذذا " .      
مناقشة:اللذة لا تصلح مصدرا للإلزام الخلقي لأنها تمثل جانبا واحدا في الإنسان هو الجانب الجسمي ,كما أنها ابسط درجات سلم القيم الأخلاقية و الإنسان قادر على تجاوزها .
لا يمكن أن تكون المنفعة وهي ذات طابع شخصي أساسا للفعل الخلقي لأن الناس مصالحهم متباينة وهذا ما يترتب عنه ضرورة تصادم الناس، إن اعتماد اللذة أو المنفعة كمعيار في المجال الأخلاقي إنكار واضح للقيم الإنسانية السامية ومساواة بين الإنسان والحيوان الذي تسيره غرائزه وتجاهل تام لطبيعته العاقلة   .

الرأي الثاني :( الموقف القائل : القيمة الخلقية للفعل تكمن في الفعل في حد ذاته )
ذهب البعض من الفلاسفة العقليين إلى أن العقل أساس الحكم على القيمة الأخلاقية للأفعال , فهو الذي يشرع ويضع مختلف القوانين والقواعد الأخلاقية التي تتصف بالكلية والشمول فحسب (سقراط)الخير هو الفضيلة و الفضيلة هي المعرفة فمن عرف كان فاضلا ومن جهل كان شريرا و أكد ( أفلاطون )  نفس الفكرة حيث قال :" يكفي أن يحكم الإنسان جيدا حتى يتصرف جيدا ".
وفي العصر الحديث قرر (كانط) أن الواجب هو محور الأخلاق وهو مصدر الإلزام الخلقي ورأى أن من الخطأ رد الإلزام الخلقي إلى سلطة خارجية  كالدين أو القانون أو المجتمع فيجب أن تكون السلطة داخلية تتمثل في الواجب العقلي ورأى أيضا أنه من الخطأ رد الإلزام الخلقي إلى اللذة الحسية أو المنفعة العامة لأن الأخلاق الحقيقية يجب أن تؤسس على ما يميز الإنسان عن الحيوان وهو العقل وفي هذا قال كانط: "فلا بد أن يتحرر الفعل الخلقي لا من الغرض والهوى فحسب بل من عوارض الزمان والمكان و البيئة الثقافية ".       
إن الإنسان عند ( كانط )  لا يزن أحكامه الخلقية بالنظر إلى نتائجها أو زمانها ومكانها ولكنه يزنها بالقياس إلى قاعدة عامة صالحة للتطبيق على الجميع ومستقلة على جميع النتائج وقد اعتبر كانط الإرادة الخيرة الدعامة الأساسية للفعل الأخلاقي بل هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعد خيرا في ذاته دون أي قيد أو شرط  لأنها تستمد خيرتها من باطن ذاتها أي من صميم نيتها.و الإرادة التي يقصدها (كانط )  تلك التي لا قانون لها سوى قانون الواجب :إن الفعل الذي يتم بمقتضى الواجب إنما يستمد قيمته الخلقية , لا من الهدف الذي يلزم تحقيقه , بل من القاعدة التي تقرر تبعا لها , فهو لا يعتمد إذن على واقع موضوع الفعل , بل علي مبدأ الإرادة وحده ."

مناقشة: إن العقلين بصفة عامة و( كانط ) بصفة خاصة جعلوا  الإلزام الخلقي يصدر من العقل وحده  دون النظر لأوامر الدين ودون خوف من عقاب الله. كما أن الواجب بأوامره المطلقة لا يساعد الإنسان في حياته الواقعية على تدبير شؤونه العملية. و رفض الاستثناءات  في القواعد الخلقية يعني أن الظروف لابد أن  تأتي  دائما مواتية لمبادئ العقل ولكن قد تختلف في بعض الأحيان وتحتاج إلى استثناء. ثم إن الإرادة الخيرة كما صورها (كانط) جاءت في صورة سلبية فهي لا تهدف لشيء محدد في الواقع فعند ما لا نعمل عملا إلا إذا عرفنا انه يمكن تعميمه علي كل الناس فهذا لايكفينا لان نسلك سلوكا ايجابيا لذلك قال جاكوبي ناقدا مذهب كانط :" أن الإرادة الخيرة عند كانط أرادة لا تريد شيئا"

التركيب: تتبين من خلال عرض الرأيين المتناقضين مغالاة كل مذهب في ما ذهب إليه ؛ صحيح أن بعض الأفعال الأخلاقية يترتب عن القيام بها تحقيق لذة أو منفعة ولكن اعتبار اللذة أو المنفعة المبدأ الأساسي للفعل الخلقي في مطلق الأحوال فيه الكثير من المبالغة وحتى الخطأ وصحيح  أن العقل ملكة تمييز عند الإنسان يدرك به الحسن من الأفعال والقبيح منها لكته لوحده يبقى قاصرا فلا بد له من موجه وهذا ما رآه رجال الدين .
   أن المذهبين النفعي والعقلي تجاهلا تأثير الدين و المجتمع في تحديد القيم الأخلاقية وهذا أكده دوركايم " فالمجتمع ليس سلطة أخلاقية فحسب بل أن كل الدلائل تؤكد أن المجتمع هو النموذج والمصدر لكل سلطة أخلاقية , ولابد أن تكون أخلاق الفرد هي الأخلاق التي يطلبها المجتمع بالضبط ".

الخاتمة:
إن موضوع أساس القيمة الخلقية من أبرز المواضيع التي أثارت جدلا كبيرا بين الفلاسفة على اختلاف مذاهبهم الأخلاقية . ويعد  موقف المذهب الطبيعي (اللذة والمنفعة ) و المذهب العقلي من أهم المواقف الأصيلة في هذا الشأن . ومن خلال استعراض وجهتي نظرهما ومناقشتها يمكن أن نستنتج الآتي : القيمة الخلقية للفعل لا تتوقف على نتائج الفعل في مطلق الأحوال و لا تكمن في الفعل في حد ذاته بشكل دائم فمبدأ القيمة الخلقية ليس واحدا فقد تعددت مبادئ القيمة الخلقية بتعدد المذاهب الأخلاقية.

0 شارك معنا رأيك

إرسال تعليق

مواضيع قد تهمك :